على الرغم من أن تأمين الاستثمار و إغلاق جولة استثمارية يعد بحد ذاته إنجازاً كبيراً، إلا أن هذا الإنجاز لا يعبّر عن نقطة زمنية منعزلة، بل هو جزء من رحلة تمتد لمراحل مسبقة و توقعات لاحقة. في هذه الرحلة، تلعب إدارة الصرف في الشركة الناشئة دورا جوهرياً سواء قبل أو بعد تدفق التمويل، خصوصا في جذب المستثمرين وضمان النجاح على المدى الطويل.
العملة ذاتها، الصّرف بذكاء، تؤثر في المراحل الأولية و الأخيرة لصفقات رأس المال كما يلي:
قبل التمويل: القدرة الواضحة على التحكّم بالصرف و إدارتها الموزونة هي مهارة تكسبك انتباه المستثمرين، مما يفتح الأبواب لبناء الثقة في قيادتك.
بعد التمويل: التوظيف الصحيح لكل ريال يثبت أنك تستحق الاستثمار و يثبت قدرتك على التوسع بكفاءة.
كيف، إذاً، نقرأ وضع الإنفاق بعيون المستثمر، و نوظفه كنقطة إيجابية في رحلة الجولات الاستثمارية؟
ما قبل الجولة
الشركات الناشئة تعمل في بيئة فريدة، إما أن تكون الموارد شحيحة، أو مستعصية بسبب تذبذبات السوق، أو أن التنافسية عالية. لذا، كل ريال له قيمة. إدارة الإنفاق بشكل فعال أمر بالغ الأهمية حتى قبل تأمين التمويل لأنه يشكل أساساً للانضباط المالي والاستدامة بغض النظر عن المرحلة التي تقع فيها الشركة الناشئة.
لماذا تعدّ إدارة الإنفاق الجيّدة عاملًا مهمًا للشركات الناشئة التي تهدف إلى جذب الاستثمار؟
- تُظهر المسؤولية المالية: يرغب المستثمرون في رؤية الشركات الناشئة تدير مواردها بكفاءة. عندما تكون أساسات إدارة الإنفاق صحيحة منذ البداية، يظهر للمستثمرين أن القائمين عليها متمرسون في إدارة رأس المال.
- استفاذ معدل الحرق (burn rate): أحد أهم مؤشرات الإدارة الفعالة هو آداء معدل الحرق، و الذي يشير إلى سرعة إنفاق الشركة للمال، بالتالي الزمن المتبقي (بالأشهر) قبل حاجتها للحصول على استثمار إضافي. كل ما طالت المدة تزيد فرص البقاء لدى الشركة الناشئة، و الأهم، تزيد من جاذبيتها للمستثمرين.
- التركيز على خلق القيمة: يشجع تحديد أولويات إدارة الإنفاق على التركيز على الأنشطة التي تخلق القيمة عبر تخصيص الموارد بعناية لتطوير المنتج واستقطاب العملاء و الانتشار في السوق. إظهار التركيز على هذه الجوانب يبيّن للمستثمرين الأولويات المهمة للمنشأة.
ما بعد الجولة
إغلاق جولة استثمارية يجلب معه أكثر من مجرد أموال! مع كل استثمار، تزداد التوقعات، المسؤوليات و تحتدّ المحاسبة في توظيف هذه الموارد بشكل مدروس. هنا، تظل إدارة الإنفاق الفعالة أمراً أساسياً حتى بعد تأمين التمويل، خصوصا مع ارتفاع التطلعات لتحقيق أهداف أكبر مع وجود موارد أكثر.
كيف تسهّل إدارة الإنفاق الفعّالة مرحلة ما بعد التمويل؟
استخدام الموارد بكفاءة: مع الوصول إلى رأس المال الإضافي، يمكن أن تكون الإغراءات للإنفاق الزائدة قوية. لا بأس طالما التزمت بالحفاظ على ممارسات إدارة الإنفاق المنضبطة و بتتبع كافة النفقات و دراسة الميزانية بدقة. يشمل ذلك إعادة تقييم الصّرف باستمرار، التفاوض على شروط دفع أفضل مع الموردين، وتجنب النفقات غير الضرورية.
المحافظة على ثقة المستثمرين: يتوقع المستثمرون من الشركات الناشئة تحقيق وعودها وتحقيق الأهداف الرئيسية باستخدام الرأس المال الذي قدموه. يساعد الإنفاق المرصود في الحفاظ على ثقة المستثمرين عن طريق إظهار التزام بالمساءلة والانضباط المالي لا سيما عند تعثّر الوصول إلى الأهداف لأسباب أخرى.
النمو المناسب للتوسع: يتطلب النمو المستدام تخصيص محدود للموارد للمبادرات القابلة للتوسع (scalable initiatives). من خلال تحديد الاستثمارات في المجالات التي تقدم أعلى عائد محتمل، يمكن للشركات الناشئة توسيع عملياتها بكفاءة والاستفادة من فرص السوق.
الخلاصة
فكر في الأمر بهذه الطريقة: إدارة النفقات هي المفتاح الذي يفتح الثقة قبل التمويل و الجسر الذي يضمن الاستدامة بعده. حتى لو كان الخوض في غمار جولة استثمارية ليس ضمن أجندتك الحالية، قيّم ممارسات الإنفاق في شركتك و ضع الأسس السليمة لإدارة إنفاق قابلة لاستيعاب نمو منشأتك في المستقبل.